طبقت العديد من البلدان مفهوم التنمية المستدامة واتجهت نحو المباني الخضراء لتعزيز الاستدامة في قطاعات التعمير والبناء. ويُنظر إلى الاستدامة في الوقت الحاضر على أنها التوازن الدقيق بين الصحة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للمجتمع. ولتحسين نوعية حياة المجتمع نحتاج النظر في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بطريقة متكاملة وشاملة.
على سبيل المثال، النمو الاقتصادي ليس مستداماً إذا حدث التدهور البيئي والاجتماعي، وبالتالي فإن الاستدامة تنطوي علي الكيانات الثلاثة وهي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وتعتبر الاستدامة إحدى دعائم رؤية أبوظبي (2030) التي تهدف إلى تحسين تنمية المدينة من خلال وضع برنامج للتطور الحضري مدته 25 عاماً.
وقد قدمت حكومة أبوظبي الاستدامة على أنها إحدى دعائم رؤية أبوظبي (2030) من خلال برنامج استدامة. ويمثل برنامج الاستدامة إحدى الرؤى التي تهدف إلى نهج حياة مستدام وجديد في أبوظبي وفي رؤيتها المستقبلية لمشاريع البناء والتشييد. ويمكن تعريف الأبنية الخضراء بأنها التي تأخذ بالاعتبار وتحترم الترتيب الطبيعي للأشياء من حيث التصميم الذي يقلل التأثير السلبي للإنسان على البيئة المحيطة به من مواد وموارد طبيعية، ومفهوم الأبنية الخضراء هدف لتحقيق مفهوم الاستدامة في جميع مناحي الحياة العامة بين كل شرائح المجتمع الواحد، وهناك العديد من المؤسسات التي تبنت مفهوم الاستدامة ووضعت المعايير والاشتراطات لتحسين وتطوير مفهوم الاستدامة على الأبنية حول العالم، ومن أشهرها برنامج حكومة أبوظبي «استدامة»، وبرنامج «المجلس الأميركي للأبنية الخضراء» و«الجمعية الأميركية لمهندسي التدفئة والتبريد وتكييف الهواء»، و«مؤسسة أبحاث الأبنية» لدعم التقييم البيئي في بريطانيا وكذلك «مجلس الإمارات للأبنية الخضراء» في دبي.
ومن المعايير العامة للاستدامة، خصوصاً في مجال المباني المستدامة أو المباني الخضراء، استخدام الموارد الطبيعية وتقليل المخلفات وإعادة تدوير النفايات وحماية الطبيعة التي هي المصدر لكل الموارد، وخلق بيئية صحية صالحة للأجيال المستقبلية، وتصميم مبانٍ ذات كفاءة عالية، وذلك عن طريق الموازنة بين الأداء والبيئة والموارد، والتركيز على الكلفة الكلية لاستدامة المبنى وليس الكلفة الأولية للتشييد والاهتمام بالانبعاثات الكربونية. ومن الركائز الأساسية للأبنية المستدامة، يأتي التصميم والابتكار بربط كافة مكونات المبنى، بما يخدم استدامته من حيث الإنارة والتكييف والتصميم الداخلي الدقيق للمبنى، وخلق فرص باستخدام هذه الطرق لخدمة المكونات الأخرى داخل المبنى نفسه.
وتتضمن هذه الركائز إدارة المياه والمياه المعالجة، وذلك بالتقليل من تسرب المياه واستهلاكها، واستخدام معدات ذات تدفق منخفض للماء باستخدام رؤوس ضيقة، تحد من تدفق المياه وتساعد في ترشيد استهلاك، وكذلك التحكم الاتوماتيكي، والتي تعمل بأنظمة حساسة، ويساعد في ضبط عملية استهلاك الماء بشكل عام في المبنى المستدام، وكذلك جمع مياه الأمطار والاستفادة منها في الري أو تصفيتها وتنقيتها وتستخدم للشرب، وتعتبر مياه الأمطار أفضل من ناحية المعادن، مقارنةً مع المياه الجوفية. إدارة المخلفات وإعادة التدوير ويفضل استخدام المواد المتجددة في البناء، وذلك للتقليل من الآثار السلبية على البيئة الداخلية، وتتضمن هذه الركائز استخدام مواد سهلة التنظيف والصيانة وقابلة لإعادة التصنيع وقليلة الانبعاث، خاصة انبعاثات الغازات العضوية الضارة بالبيئة.
ومن المهم أيضاً تحسين البيئة الداخلية والإنتاجية بتهوية المبنى قبل استخدامه وبشكل دوري، مع توعية السكان بأهميته للصحة العامة، وعمل أساس محكم الإغلاق لمنع تسرب الرطوبة والغازات الضارة من الأرض، واستخدام الإنارة النهارية الطبيعية، وذلك لإراحة النظر، واستخدام أثاث مريح وغير باعث للغازات الضارة، وكذلك الاهتمام بالزراعة الداخلية، ويمكن كذلك التحكم بالضجيج عن طريق الحواجز الحاجبة للصوت واستخدام الزجاج المزدوج، الممرات الضيقة لتقليل الضجيج المتسرب للمبنى، واستخدام مواد تمتص الضجيج مثل الألياف الزجاجية والمواد العازلة، وعدم استخدام المواد العاكسة للصوت والتي تجعل الضجيج ينتقل لمسافات أكبر، مثل المعادن والزجاج المسطح والأخشاب المغطاة بطبقة صلدة والسيراميك والحوائط الإسمنتية والجبسية.
ومن ركائز الأبنية الخضراء استخدام النظام الشمسي غير المباشر، عن طريق استخدام الشمس كمصدر للحرارة من تدفئة وتسخين للمياه والتهوية، حيث إنها تساعد على تقليل أحمال التكييف، ويتم ذلك عن طريق دمج عدد من عناصر المبنى من جدران خارجية ونوافذ ومواد البناء لاستخدامها في الإنارة النهارية، وتقليل المصابيح الكهربائية، كذلك تقليل الحرارة المنبعثة من المصابيح، مما يقلل الحاجة للتبريد، وبالتالي تقليل حجم أجهزة التكييف داخل المبنى وتقليل تكلفة الاستهلاك بشكل عام.
ولتحقيق الاستدامة بشكل فعال، فإنه يتم عن طريق قياس الطاقة المستهلكة وقياس نوعية الهواء وقياس نسبة التلوث والضجيج في المبنى، والشيء الجيد أن الاستدامة جعلت صناعة البناء والتشييد تحافظ على التوازن بين الأداء العالي للمبنى وكفاءة الطاقة، بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي والبيئي المحيط للمبنى، ومن خلال ذلك يتم التركيز على التصميم المتكامل الذي يتم تصميمه ليخدم المبنى بشكل عام، فيستخدم غلاف المبنى والتصميم الداخلي ليخدم الإنارة ويقلل التلوث والضجيج، وتستخدم أبراج التبريد لتبريد الماء وحرارة الأرض لتسخينه، وغيرها من الأمثلة التي يتم فيها استخدام البيئة المحيطة لخدمة المبنى مع تقليل آثاره السلبية، إن وجدت.
*خبير في التنمية المستدامة والطاقة المتجددة